( مداراة الناس صدقة) أخرجه الطبراني من حديث جاب.
وقال أبن بطال:
(المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة)
إذا هذه أسهم للصيد فأحسن التسديد وهي على سبيل المثال، وذكرت منه ما أشرت إليه أنفا وإلا فهي كثيرة.
* الازدواجية في الأخلاق:
لقد شكا الكثير من التقلب والمزاجية والازدواج في الشخصية التي يعيشه بعض الناس اليوم، فمثلا الزوجة المسكينة تسمع عن أخلاق زوجها، وسعة صدره وابتسامته وكرمه، ولكنها لم ترى من ذلك شيئا.
فهو في بيته سيئ الخلق ضيق الصدر عابس الوجه صخاب لعان بخيل ومنان، أين هذا وأمثاله من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
( خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) كما عند ابن ماجة وابن حبان والحاكم.
وأين هو عن قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خيارُكم لنسائهم) كما عند الترمذي بسند صحيح.
قال سلمة أبن دينار:
( السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه، هي منه في بلاء، ثم زوجته ثم ولده حتى أنه ليدخل بيته وإنهم لفي سرور فيسمعون صوته فينفرون منه فرقا منه أي خوفا منه، حتى أن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى أن قطه ليفر منه) انتهى كلامه.
وقل مثل ذلك مع الوالدين، فكم أولئك الذين نسمع عن حسن أخلاقهم وكرمهم وابتسامتهم وجميل معاشرتهم للآخرين، أما مع اقرب الناس إليهم وأعظم الناس حقا عليهم الوالدين فجفاء وهجر وبعد ويكفي بلاغة وقوة ورقة قول الحق عز وجل:
( ولا تقل لهما أف).
ومن نظر لحالنا مع آبائنا وأمهاتنا علم ضعف إيماننا وتقصيرنا بأعظم الحقوق علينا بعد توحيد الله والله المستعان.
ومن الازدواجية أيضا، ربما ترى المرأة مثقفة متعلمة جميلة، بل ربما حرصت على صفاء وجهها وبياض أسنانها وتبذل الغالي والنفيس من أجل جمالها وأناقتها، فإذا عرفتها عن قرب وعاشرتها فإذا هي سيئة الأخلاق سريعة الغضب تتذمر وتتسخط، ترفع صوتها على زوجها وتعبس في وجه أختها.
آه لو حرصت النساء على أخلاقهن كحرصهن على جمالهن،
فليس الجمال بأثواب تزيننا ….. بل الجمال جمال العلم والأدب
اعلمي اخيتي في الله أن الجمال الحقيقي هو جمال الأخلاق والأدب، فأفٍ ثم تفٍ لجمال اللباس والشكل مع قلة الحياء والتكشف والعري وضياع القيم والمبادئ،
مررت على المروءة وهي تبكي ……. فقلت علاما تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي …….. جميعا دون خلق الله ماتوا
أيتها الأخت، إن الله جعل للإنسان عورتين، عورة الجسم وعورة النفس، وجعل للأولى سترا هو اللباس، وللثانية سترا هو الأخلاق ونبه على الأهم وهو الثاني لأن لباس الإنسان لا يغني عن أخلاقه ألبّته فقال عز وجل:
( يا بني آدم إنا أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير).
اخيتي، إن المرأة العاقلة إذا نطقت جاءت بكل ملاحة وإن سكتت جاءت بكل مليح، فأتقي الله أيتها المرأة واستري عورة النفس بلباس التقوى والحياء ومكارم الأخلاق.
ومن الازدواجية في الأخلاق ما نراه من بعض الناس من حسن الكلام وسعة الصدر والابتسامة، فإذا جاء البيع والشراء والتعامل بالدينار والدرهم تراه مماطلا مماكسا، يجادل ويخاصم وربما تلاشت معاني الأخوة وحقوقها.
قيل لمحمد ابن الحسن ألا تصنف كتابا في الزهد قال:
(صنفت كتابا في البيوع).
يعني رحمه الله أن الزاهد هو من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات وفي سائر المعاملات، وهذا من فقه وذكاء محمد رحمة الله عليه.
يروى أن مسروقا عليه دين ثقيل وكان على أخيه خيثمة دين فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم.
وقال مطرف ابن عبد الله لبعض إخوانه:
( يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني وأكتبها في رقعة فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال).
إذا أعسرتُ لم يعلم رفيقي …… وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ……. ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت بماء وجهي ……. لكنت إلى العلاء سهل الطريق
عن رباح ابن الجراح قال:
( جاء فتح الموصلي إلى منزل صديق له يقال له عيسى التمار فلم يجده، فقال للخادم أخرجي لي كيس أخي فأخرجته فأخذ منه درهمين، وجاء عيسى فأخبرته الخادم، فقال إن كنت صادقة فأنتي حرة، فنظر فإذا هي صادقة فعتقت).
وعن جميل أبن مرة قال:
(مستنا حاجة شديدة، فكان مورق العجلي يأتينا بالصرة فيقول أمسكوا هذه لي عندكم، ثم يمضي غير بعيد فيقول إن احتجتم إليها فأنفقوها)
وقال سفيان ابن عيينه سمعت مساورا الوراق يقول:
( ما كنت لأقول لرجل إني أحبك في الله فأمنعه شيء من الدنيا). مواقف اغرب من الخيال لكنها مكارم الأخلاق عند سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وصدق الأخوة والمحبة في الله.
نسأل الله الكريم من فضله، ونسأل الله عز وجل حسن التأسي بهم رضوان الله عليهم.
ومن مظاهر الازدواجية أيضا أن ترى بعض الشباب يعجبك حسن مظهره، ويجذبك سحر عطره، وتصفيف شعره، ولولا الحياء لأطنبت في الوصف مما يرى ويشاهد على بعض شبابنا هذه الأيام من حرص على المظاهر والأشكال، ومع ذلك انحراف في السلوك والأخلاق فلا مانع لديه أن يكذب وأن يلعن ويشتم وربما يزني ويسرق أو يغش ويخدع، لا مانع لديه أن يتخلى عن دينه وأخلاقه من أجل شهوة، فأفسد المسكين جمال الظاهر وجمال الباطن.
أيها الشاب ليس الإنسان إنسانا بجسمه وصورته لا والله، ولا بثيابه ومظهره، بل هو إنسان بروحه وعقله وخُلقه وخَلقِه،
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ……. أتعبت نفسك في ما فيه خسرانُ
أقبل على النفس وأستكمل فضائلها …….فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
أيها الشاب، هل ينفه الفتيان حسن وجههم إذا كانت الأخلاق غير حسان، إن في قلبك فطرة الخير ففتش عنها وأشعل جذوة الخير فيها.
أيها الشاب، إن من تمام سعادتنا أن نتمتع بمباهج الحياة وشهواتها، لكن في حدود الشرع:
( وأبتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنسى نصيبك من الدنيا).
أيها الشاب، كن رحلاً رجلَه في الثرى وهامة همتَه في الثريا، وتجمل بمكارم الأخلاق والآداب فإنها زينة الرجال.
ومن الازدواجية في الأخلاق أولئك الذين نرى عليهم أثر الصلاح وسيما الخير:
ثم نراهم في أفعالهم وتصرفاتهم يناقضون تلك السمات والآثار، حتى أصبحوا فتنة لغيرهم فأنت لا تسيء لنفسك فقط، بل لنفسك ولغيرك بل وربما لدينك، فإن من يرى سوء الأخلاق منك فسيقول هذه أخلاق الصالحين، وهذا هو الالتزام الذي يذكرون، فعلى هذا وأمثاله أن يراجعوا صلاحهم فقد لا يكون لهم من الصلاح إلا الاسم والرسم.
مدحوا عند القيل ابن عياض رجلا وقالوا إنه لا يأكل الخبيص، فقال رحمه الله:
(وما ترك أكل الخبيص؟ انظروا كيف صلته للرحم، انظروا كيف كضمه للغيظ، انظروا كيف عطفه على الجار والأرملة والمسكين، انظروا كيف حسن خلقه مع إخوانه) انتهى كلامه.
قلي بربك أيها القدوة هل الاستقامة مظهر فقط؟ أم هي حسن تعامل مع فئة من الناس فقط؟
أم أنها سلوك منك وحسن تعامل مع الناس في كل شيء وفي جميع الأحوال، ففي الحديث الصحيح:
( أعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الناس وحسن الخلق) أخرجه الترمذي وابن ماجة.
قال ابن القيم في الفوائد :
(جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق في هذا الحديث لأن تقوى الله يصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقِه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته) انتهى كلامه رحمه الله.
ويجب التنبه هنا لأمر مهم اختلط على كثير من الناس إما جهلا وهو الغالب أو بقصد من قلب في دخن ودغل وهو قليل جدا إن شاء الله.
أيها الأخوة إن تخلى المسلمون عن أخلاقهم ومبادئ عقيدتهم فليس معنى هذا أن نتهم الإسلام، أو نتردد بالالتزام بتعاليمه وشرائعه، وإلا فما معنى أن يحكم أناس مسلمون على الإسلام وعلى أهل الصدق منه بالغلو والتطرف والغلظة والفظاظة وسوء الخلق لمجرد أن منتسبا للإسلام أخطئ في تصرفه أو قوله أو تلبس لباس الصادقين من المسلمين؟
إن من أشنع أنواع الظلم أن يؤاخذ الإنسانُ بخطأ غيره فإن الله عز وجل يقول:
(ولا تزر وازرة وزر أخرى )،
أين الإنصاف وأين العدل ؟
والله عز وجل يقول:
(ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى).
لماذا نتسرع بالحكم على الجميع ونعمم الأخطاء لمجرد أخطاء فردية؟
أين هؤلاء الشانئون من مئات وآلاف من المسلمين والمسلمات ممن نبلت أخلاقهم وعزت نفوسهم.
إنني أعرف وتعرف وأسمع وتسمع وأرى وترى أعدادا ليست بالقليلة ممن ملكوا القلوب بجمال ألفاظهم وأسروا النفوس بحسن أفعالهم، قلوب صافية وأيد حانية وألسن عفيفة، علم وعمل وحب للدين والوطن.
فلماذا لا يذكر هؤلاء ويشهر أمرهم ويتحدث عن نبلهم؟ لماذا ننظر بعين واحدة ونقع على الجروح فقط؟
انظر لنفسك أيها الحبيب، أيها الأخ الشاب وأنت تشكو من هؤلاء، ألست مسلما؟
أولست تخطئ؟ ألست تزل؟
فلربما شكا منك الناس، فأنت تشكو وأنت تُشكى.
ولكن ما أجمل أن بعذر بعضنا بعضا، وأن نعفوا عن الزلات ونستر السيئات ونشهر الحسنات، تناصح وتغافر يطفئ نار الفرقة والاختلاف.
عامل الناس جميعا على أنهم بشر يصيبون ويخطئون، غُض الطرف وتغافل وأصبر فليس الغبي بسيد في قومه…….لكن سيد قومه المتغابي.
ولك أن تسرح بخيالك لترى المجتمع يعيش بهذه المعاني الجميلة فهي من أعظم مكارم الأخلاق، فإن أبيت فأتهم ذلك الشخص ولا تعمم وأتقي الله فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
* أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
مكارم الأخلاق تشعر الجميع أنك تحبهم بل كل واحد يشعر أنه أحب الناس إلى قلبك، فهل تستطيع هذا، إنك تملك القلوب بأيسر الطرق وأفضلها، هكذا كانت أخلاق قدوتنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.
فعن عمرو ابن العاص قال:
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم فقلت يا رسول الله أنا خير أو أبو بكر؟ فقال أبو بكر، فقلت يا رسول الله أنا خير أم عمر؟ فقال عمر، فقلت يا رسول الله أنا خير أم عثمان؟ فقال عثمان. يقول عمرو فلما سألت رسول الله فصدقني فلوددت أني لم أكن سألته) كما في الشمائل لترمذي.
إذا فعمرو ابن العاص ظن أنه أحب الناس وأقرب الناس لقلب رسول صلى الله عليه وسلم.
أخي الحبيب لعلك تسال كيف استطاع النبي صلى الله عليه وسلم كسب القلوب إلى هذا الحد؟ بل كسب حتى قلوب أعدائه.
إليك شيئا من شمائله وأخلاقه بإيجاز، رزقني الله وإياك حسن الإقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم.
كان أشد الناس حياء، (أنا أشد الناس حياء).
لا يثبت بصره على أحد، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذرين إليه،
يمزح ولا يقول إلا حقا، يضحك من غير قهقهة، ترفع الأصوات عليه فيصبر،
لا يحتقر مسكينا لفقره، ما ضرب بيده أحدا قط إلا في سبيل الله،
وما أنتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله،
ما كان يجزي بالسيئةَ السيئة ولكن يعفو ويصفح،
كان يبدأ من لقيه بالسلام، كان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد قبضته عليها،
كان يجلس حيث انتهى به المجلس، كان يكرم من يدخل عليه حتى أنه ربما بسط ثوبه ليجلس عليه، كان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، فإن أبا أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل،
كان يعطي كل من جلس إليه نصيبه من وجهه وسمعه وبصره وحديثه،
كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم،
كان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضاء،
كان أرأف الناس بالناس وخير الناس للناس، فعن أنس رضي الله عنه:
( أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن لي إليك حاجة، فقال أجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك) متفق عليه.
وبكلمة جامعة مانعة كان خلقه القرآن، ولذلك أثنى الله عليه فقال:
(وإنك لعلى خلق عظيم).
إذا فمن أراد أن يرى هدي هذا الدين واقعا يعاش فلينظر في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم،وليدرسها دراسة فهم وتدبر بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، يكفي أن كل أحد يقول يوم القيامة نفسي نفسي وهو يقول أمتي أمتي.
يا من يذكرني بعهدِ أحبتي…… طاب الحديثُ بذكرهم ويطيبُ
أعد الحديثَ علي من جنباته…… إن الحديثَ عن الحبيبِ حبيبُ
ملئ الضلوعَ وفاض عن أجنابها……. قلبُ إذا ذكرَ الحبيبُ يذوبُ
ما زال يخفقُ ضاربا بجناحه……… يا ليت شعري هل تطيرُ قلوبُ
* خلاصة الدرس بهذه النقاط:
- ليس مراد المسلم الصادق من حسن تعامله وأخلاقه ولإحسان للناس هو كسب القلوب أو رضاء المخلوقين، أو انتزاع صيحات الإعجاب والمدح والثناء منهم، فمن القبيح أن نتحلى بالأخلاق من أجل كسب القلوب فقط، فلا يظن ظان عند سماعه لعنوان الدرس هذا الظن.
بل هدفنا دائما هو رضاء الله، والله هو الذي أنزل القرآن وأرسل الوحي اللذان منهما نستمد الأخلاق والآداب، ومن أرضى الله، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.
فتقدير الناس وحبهم له حاصل بحرصه على رضاء الله وإخلاص الأمر له، وقليلون أولئك الذين يحرصون على كسب القلوب لنشر المحبة والإخاء وجمعها على حب الله، وكثير أولئك الذين يحرصون على كسب القلوب ومودة الآخرين من أجل مصالح الدنيا والشفاعات وتسهيل المهام، وهذا النوع من الكسب تبتذل فيه النفوس، ويذبح الحياء وربما يباع الدين بالدنيا من أجله، نعوذ بالله من حال هؤلاء.
- إن لم تكن الأخلاق أصيلة في نفسك تحرص على اكتسابها والتحلي بها وتداوم على تزكية النفس وتهذيبها، ولن تتصنع الأخلاق أبدا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وإن نجحت مرة أو مرتين فسرعان ما تسفر الأحداث والمواقف عن زيوف النفس وتصنعها وما تخفيه من نوايا ومأرب وأغراض، أما بحثنا عن طريق القلوب فمن أجل علام الغيوب من عفو وصفح ونفع وصبر وطلاقة وجه وطيب وطيبِ كلام ليصبح البعيد قريبا والعدو صديقا فيحبك الناس ومن أحبه الناس ملك قلوبهم وأثر في أفعالهم وإلا فكيف نريد أن يقبل الناس منا وفي قلوبهم لنا جفوة وف نفوسهم نفره.
- أيها الأخوة والأخوات، لا يمكننا التأثير على نفوس الناس أبدا وكسب قلوبهم إلا بتلمس الخير فيهم، والحرص على مكارم الأخلاق معهم، إذا لنملك القلوب لتحبنا القلوب وحينها سترون النتيجة والتأثير فإن من أحبه الناس ملك قلوبهم، وليس معنى هذا أن نترك النصح للآخرين والإنكار عليهم ولا أن نجاملهم في معاصيهم وأخطائهم.
معاشر الأخوة، اسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
(إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخُلق) أخرجه البزار بسند حسن من حديث أبي هريرة.
- قد لا يستطيع أحدنا أن يملك قلوب الناس بماله ولا بجاهه، وإن تملق الناس له وتصنعوا، فربما أن قلوبهم تمقته، بينما أنت يا صاحب الأخلاق تملك الناس بحسن الأخلاق، يحبك الناس، يرفعونك ويقدرونك، فقط وخالق الناس بخلقٍ حسن كما وصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم معاذ أبن جبل.
قال ابن المبارك (والخُلق الحسن هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى)
وقال الإمام أحمد ( الخُلق الحسن أن لا تغضب ولا تحقد)
وقيل (حسن الخُلق بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى)
وقيل ( هو بذل الجميل وكف القبيح)
وقيل (هو التحلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل)
ويكفي في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(البر حسن الخلق) كما في صحيح مسلم.
قال ابن القيم رحمه اله (وهذا يدل على أن حسن الخُلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام ولهذا قابله بالإثم في الحديث) انتهى كلامه.
- لا تغتر بحسن أخلاقك في الرخاء، بل جرب نفسك في أوقات الشدة والغضب، وكل الأحوال التي يحتاج فيها للأخلاق فعلا، فالإيثار عند قلة الزاد، والحلم عند الغضب، والعفو عند المقدرة، أما في الرخاء فلا فخر ولا فضل.
- انظر للناس فما كرهته فيهم من أخلاق فأبتعد عنه، فإنهم يكرهون منك ما تكرهه منهم.
- أسال نفسك هل أنت كالنحلة لا تقع إلا على الورود والأزهار، أم أنت كالذباب لا يقع إلا على الأوساخ والأقذار.
- مدار الموضوع كله في آية في كتاب الله تعالى وهي قاعدة في فن التعامل والإحسان للخلق هي قوله تعالى:
( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
لكن هل كل أحد يوفق لهذا؟ لا فإن الله تعالى يقول:
( وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)
وقد جمع الله مكارم الأخلاق في آية أخرى فقال:
( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).
- الأخلاق الإسلامية معك في كل زمان ومكان، مع ربك ومع الناس وفي بيتك، وفي عملك، وفي البيع والشراء، وفي الجلوة والخلوة، مع الكبير والصغير، والرئيس والمرؤوس، فهي أصيلة في نفسك في كل الأحوال ومع كل الأشخاص في كل مكان.
- حسن الخُلق أركانه أربعة، الصبر والعفة والشجاعة والعدل. وسوء الخلق أركانه أربعة الجهل والظلم والشهوة والغضب.
- ونحن نطالب الناس بمكارم الأخلاق لا ننسى أنهم بشر ومهما جهدوا فلا بد من الهنات والغفلات، فلا نطالب بالمثاليات، خاصة في مثل هذه الأوقات، ولكن أنظر إلى نفسك وعامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
يقول أبن المقفع في الأدب الصغير هذه الجملة الجميلة:
( وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساوئها في الدين وفي الأخلاق وفي الآداب، فيجمع ذلك كله في صدره أو في كتاب، ثم يكثر عرضه على نفسه ويكلفها إصلاحه، ويوظف ذلك عليها توظيفا من إصلاح الخلة والخلتين والخلال في اليوم أو الجمعة أو الشهر، فكلما أصلح شيئا محاه، وكلما نظر إلى محو أستبشر، وكل ما نظر إلى ثابت أكتئب) انتهى كلامه.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسِنها إلا أنت، وأصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت، اللهم إنك ترى مكانَنا وتسمع كلامَنا وتعلم سرنا وعلانيتنا، ولا يخفى عليك شيءُ من أمرنا، نحن البؤساء الفقراء المستغيثون المستجيرون، والوجلون المشفقون، المقرون المعترفون، نسألُك مسالةَ المساكين، ونبتهل إليك ابتهال المذنبين وندعوك دعاء الخائفين، دعاء من خشعت لك رقابُهم، وذلت لك أجسادهم، وفاضت لك عيونهم، ورغمت لك أنوفهم.
اللهم أصلح فساد قلوبِنا اللهم اصلح فساد قلوبنا وأرحم ضعفنا وحسن أخلاقنا
اللهم إنا لأنفسِنا ظالمون، ومن كثرةِ ذنوبِنا خائفون، ولا يغفر الذنوب إلا أنت يا أرحم الراحمين فأغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم أجمع كلمة المسلمين على التوحيد يا أرحم الراحمين
اللهم آلف بين قلوبهم……………
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك